الجنولوجيا فلسفة الحرية، والمرأة الحرة مجتمع حر

  روهلات ناصر

يعيشُ الشعبُ الكردي ومنذ قديمِ الزمنِ على أرضه التاريخية، فعلى امتداد جغرافية الشّرق الأوسط، نجد المرأةُ الكرديةُ تكافحُ  كي تعيشَ بكرامةٍ وسلامٍ وحرية، وقد نُقشتْ على ألواحِ التاريخ سيرة حياتها الملوّنة بالنضال، فالمعاناة التي مرّت بها وعلى مرّ السنين، جعلتْ مسيرةَ حياتها مليئةً بالأسى، لأن الذين سيطروا على المنطقة كانوا ينظرون إلى المرأة على أنّها لا تستحق التقدير، فهي لا تمتلك الثقافة ولا الحرية، لذلك فأن الحاجة إلى معرفة الجنولوجيا هي بحدّ ذاتها علمٌ إيجابيٌ، ظهر خلافاً للعقلية المشلولة والمضطربة والمقيّدة للحريات.

يحمل علم الجنولوجيا في طياته كلّ معاني النضال والكفاح في سعي المرأة الكردية إلى الحياة الحرة الكريمة، لقد نشأ هذا العلم ليجيب عن الأسئلة التاريخية والحياتية العامة التي تشرح النهج والمفهوم والفلسفة والمعرفة.

لذلك فأن علم الجنولوجيا يعتبرُ كأحد نتاجاتِ كفاح المرأة وتفكيرها ونوعاً من أسلوب حياتها النضاليّة، فهو يضيف أشياء جديدة وعلوم إلى الحياة وقيمتها، لأنه يشرح مجالاً واسعاً ويمنح معرفةً غنيةً عن المرأة، هذا المخلوقُ المعجونُ من ماء الحريةِ وطينة الأملِ، ولقد مزّقتْ المرأة بكفاحها ستارة العقليات المتهالكة الضارة بالمجتمع، ولا بّد أن يعودَ المجتمع إلى نظامه الاجتماعي الحقيقي والتعايش المشترك، فهدف علم المرأة هو السّعي إلى أن يكون علماً للحياة وللمرأة والتعايش الحر.

وضع أساسيات علم المرأة “جنولوجيا” اعتماداً على الكفاح التي قدمته المرأة، على امتداد الساحة الجغرافية والعلمية والتاريخية والنضالية والفكرية والحياتية بكّافة أشكالها، وجاء منطلقاً من موروثٍ عريقٍ، فهو نتيجة التجارب التي عاشتها المرأة، ولذلك فهذا العلم يحمل في طياته كلّ معاني النضال والكفاح في سعي المرأة الكردية إلى الحياة الحرة الكريمة، لقد نشأ هذا العلم ليجيب عن الأسئلة التاريخية والحياتية العامة التي تشرح النهج والمفهوم والفلسفة والمعرفة.

إذ يعتمدُ العلمَ على توضيح الجوانب الداخلية لعالم المرأة، وتوضيح الإمكانيات التي تمتلكها في عالمهن للظهور والمشاركة مع الإنسانية، بالإضافة إلى ذلك وجب تسليط الضوء على قضية العنف ضد المرأة، وواقع الاحتلال، وإذلال المرأة، والأيديولوجية الممنهجة التي ساهمت في تدميرها، إضافة إلى إنكار وإبادة النساء، كلها من ضمن اهتمام علم الجنولوجيا.

  نموذج قرية المرأة إنجاز للمرأة الحرة والباحثة عن المعرفة

من أهم المنجزات التي تم تحقيقها هي تأسيس قرية المرأة، قرية المرأة ليس مشروعاً اعتيادياً، بل هي تأسيس فلسفة أساسها المرأة والحياة المكونة بكينونتها الحرة. وتم بناء قرية المرأة بجهود الكثير من مؤسسات المرأة والنساء المناضلات. حيث تأسست في عام 2017 / والافتتاحية عام 2018، الذي يصادف اليوم العالمي “للعنف ضد المرأة في 25تشرين الثاني” من كل عام، قرية المرأة بُنيت على أسلوب فلسفة الحياة والحرية.

حيث وجدت المرأة شخصيتها من خلال البحث عن ذاتها وحريتها، ففتحت القرية أبوابها للنساء اللواتي ترغبن بتثقيف أنفسهن، وكذلك توجد فيها النساء من كافة الأديان والثقافات، وقد بُنيت القرية وعمرت على أساس الحياة الطبيعية والمعايير البيئية من الطين والخشب بأيدي الناس المحبة للعمل. وقد أقيمت فيها أيضاً مدارس وأكاديميات خاصة بتعليم علم الجنولوجيا وفكر وفلسفة المرأة بمفهومها الصحيح، وكما منحت المرأة بيدها المباركة روحاً للحياة في الطبيعة والبساتين، كذلك منحت للقرية حياةً جميلةً ملونةَ بألوانِ الحريةِ.

   الجنولوجيا علم الإبداع، ورمز للحرية

الجنولوجيا علمُ خلق التعبير العلمي، والفلسفي، والفني، والعملي، جاء للتعبير المحتمل للمرأة الحرة. إنه علم الخلق الذي يتدفق عبر علم الاجتماع، والعلاقات الاجتماعية، ويدعو إلى مسؤولية إنشاء وتطوير الفن الخاص بها، فالحرية التي يتم التقاطها في اللحظة، من خلال النظرية العملية، والتنظيم، يدعو إلى السير في طريق الحرية في كافة نظريات الفكر والمعرفة، وذكر التجارب الفريدة لحياة نساء العالم، وتسليط الضوء على موضوع إمكانات المرأة في الحياة، وتوضيح الجوهر ما بين الهوية الأنثوية والعلاقات بين الإناث والذكور. إضافة إلى تأريخ حركات التحرر النسوية.

ونستطيع أن نقول إن هذا المفهوم تم طرحه منذ أن قام القائد والمفكر عبد الله أوجلان بطرحه مفهوم (الطرح والطرح المضاد والجمع) مفهوم علم المرأة (الجنولوجيا) لأول مرة في عام 2008 في كتابهِ سوسيولوجيا الحرية، وذلك دعماً للمبادئ، التي نادى فيها لتمكين المرأة الحرة، ونيلها دورها الاجتماعي ضمن المجتمع. من خلال إعادة تعريف الرؤية الحقيقية للمرأة، وتنظيم المساواة بينها وبين الرجل، والوصول إلى الحرية في صنع القرار.

   المرأة والحياة والحرية

كانت النساء هنّ السباقات في طرح السؤال الفلسفي (اعرف نفسك بنفسك) وجاء هذا السؤال نتيجة الواقع المزرى الذي عاشته، هذا هو السبب في أن علم المرأة يؤكد على أن المرأة والطبيعة والمجتمع، رغم تعرضهم للتصفية، سيصلون في النهاية إلى سرّ الحياة البهية والحرة، فالعلاقة بين المرأة والحياة والحرية والمجتمع ضرورية أيضاً لتحقيق كينونة الحياة. إذ علينا ألا ننسى أنّه منذ قدم الزمان تم تشويه معنى هذه المفاهيم الثلاثة والحياتية المهمة. وقد حوّلوا من المرأة إلى مشعوذات وساحرات حتى وصل الأمر إلى حرقهن، وجعلوا من الحياة، وبكل معانيها الفلسفية إلى جحيمٍ لا يطاق، وشوهوا مفهوم الحرية بحيث تنغمس في بوتقة المادية الفظة البحتة تحت اسم التحرر الاجتماعي.

إنّ الهدف من علم الجنولوجيا هو تأسيس النظام الاجتماعي الجديد، وتنظيمه وإدارته تحت سقف المرأة الواعية، ودراسة حقيقة المرأة من حيث طبيعتها في العدالة، فهي أم البركة والمحبة للسلام والإنسانية. لذلك لابد من طرح السؤال التالي: لماذا علم المرأة؟ فالجواب يكمن في جوهر، وطبيعة المرأة بحدّ ذاتها.

ومن هنا يكسر علم الجنولوجيا ثقافة العبودية والشخصية الضعيفة، والتي اسموها (الغصن المكسور) التي طالما كرستها الذهنية الذكورية حول هوية المرأة، فعلم المرأة يحوّل قيم المرأة إلى حقيقة، ويعزز معرفتها ويوثقها، ويطرح تاريخ المرأة بكل شفافياتها.

نظّم علم المرأة نفسه في القرن الحادي والعشرين، حيث يهدف إلى تسليط الضوء على الانتهاكات بحق المرأة، ويطالب بإلغاء العبودية المفروضة عليها، فيكشف عن هويتها الحقيقية، وهنا لا نقصد المرأة الموجودة في شمال وشرق سوريا بشكل خاص، بل المرأة على المستوى العالمي.

   مصطلح الجنولوجيا (Jineolojiya)

وفق هذا المصطلح، لابدّ من أن نعرف أصل هذه الكلمة، أولاً: إنّها مؤلفة من كلمتين” “Jin وتعني في اللغة الكردية المرأة، والقسم المكمل لها “Lojî”، ولوجي باللاتينية وهي العلم، وعند دمجهما تصبح Jineolojiya جنولوجيا بمعنى علم المرأة. وهذا المصطلح ذو ميراث حضاري وأصيل، وهناك كلمات ومصطلحات قريبة ومشابهة لها، مثلاً: (Jinekolojî) هي بمعنى علم المرأة، في اللغة اليونانية جيناكولوجي (  – Jinaجين) المرأة ولوجي بمعنى العلم. جنوكولوجي فرع من العلوم يتعلق بأعضاء التكاثر لدى المرأة. (بالإنكليزية: جينوكولوجي أو جيناكولوجي هو طب النساء).

  جناكولوجي: بالكردية يتم استخدامها بمعنى ” أمراض النساء” مضاد الجناكولوجي، آندرولوجي هو فرع علوم متعلق بأعضاء التكاثر لدى الرجل. جين (عرق) معنى الكلمة هي السلالة والذرية.

لذلك اعتبر المفكرون في بداية العصر الحديث أن العلم هو الوسيلة لتحرير المرأة من قيود المادة، فالمرأة فوق كل اعتبار، ولا يقتصر وجودها كجسد بل كروح، وكمكون أساسي في المجتمع وشريك حقيقي لبناء الإنسان الحر، ولذلك تتخذ المرأة الحرة العلم طريقاً من طرق تحررها العقلي والجسدي من قيود المجتمع، وسبيلاً لاتحادها مع الطبيعة التي هي جزء مهم منها، ويشكل فيما بعد الأساس الذي يؤكد صدق الانتماء والاعتزاز بالحرية.

حيث نجد “نيتشه” يتحدث عن علم المرأة في كتاب الأخلاق عام 1887، حيث قام بتعريف نفسه فقال: من أنا؟ وكيف وصلت إلى هذه الحالة؟ وكيف سأخرج من هذه الحالة؟ ليعرف الإنسان من هو، وكيف سأصل إلى الحقيقة، و”ميشيل فوكو” أيضاً قام بدراسة كلمة السؤال والبحث عن السيسولوجيا وتطورها، والبحث عن الإنسان والتركيز على الفرد.

كما تمّ استخدام كلمة كينالوجيا كمصطلح من قبل الفامينية المتطرفة ماريا داليا 1987 صدر كتاب باسم المرأة والأخلاق حيث تقول في نظريتها “أكولوجيا” أنه أشبه بنسج الخيط أو الغزل الذي لا ينقطع.

هكذا تم تعريف هذا المصطلح بأنه الحبل الوثيق الذي يصل بينهما أي صلة الوصل بين المرأة والحرية والحياة، فجميع الفلاسفة والعلماء أثبتوا أن هناك علاقة قوية بين الحياة والمرأة والحرية.

يوجد شرخ كبير بين المفاهيم المتعلقة بالمرأة وأهمها التمييز العنصري بين الجنسين، وإنكار وجودها وعدم الثقة بثقافتها وفكرها، لذلك نرى في علم الجنولوجيا التركيز على هذه الأمور التي تخصهاأما بالنسبة لبعض المجتمعات فهم لا يدركون التغييرات التي تمر في جسد المرأة، كالدورة الشهرية وتأثير الهرمونات في جسمها، بسبب الحمل والولادة وذلك يؤثر على نفسيتها أيضا، لكن لا يفهون هذه الأمور.

في عالم تتواجد فيه النساء، فإنّهن تتعرضن للحرب والهجرة والدعارة والإباحية والفقر والبطالة وسياسات التعليم وصحة المؤسسات الأبوية وإساءة معاملة الأزواج والعشاق. ويوجد اليوم نظام مهيمن يسعى إلى تدمير وجود المرأة جسدياً وأيديولوجياً. يجب أن تدافع المرأة عن وجودها ضد هذا النظام، لكي تتمكن من الدفاع عن نفسها، يجب أن تعترف بوجودها وتحدده.

  فلسفة القائد عبد الله أوجلان والجنولوجيا

وفي فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان يوضح أن جميع الكائنات تستطيع أن تنجب وتلد، ولكن الإنسان يجب أن يخطط ويعي لهذا المشروع. لأن هذا المشروع ليس مجرد زيادة النسل، بل تعني حياة كاملة وصحيحة، وبما أن المرأة مصدر العطاء وولادة جديدة للحياة لا نستطيع فصل المرأة عن الحياة، لأنها هي منبع العطاء ولا يمكن العيش من دونها وهي أساس الحياة الصحيحة، ولكن كل مجتمع ينظر بمنظور مختلف عن الآخر لهذه الأمور.

فالقائد ركز على الاستراتيجية والأيديولوجية، ولماذا ظهر هذا العلم؟ وضحّ أنه ظهر من أجل الحياة الحرة وتطور الحركة الثورية لها وتحريرها في جميع مجالات الحياة، لأنها أسيرة العادات والتقاليد كما كانت في المجتمعات الرأسمالية. ونستطيع القول إن تطور المرأة في ذهنها وفكرها هي بداية شرارة الثورة، وبزوغ شمس الحرية.

   تعريف كلمة (المرأة) في اللغات المختلفة:

وردت أسماء كثيرة للمرأة وبلغات مختلفة منها: في اللغة الكردية ( Jin – زن) المرأة باللغة الهورية (آشت – Aşt) وفي اللهجة الدمليكة جن (جمعها جني)، باللهجة الصورانية (آفرات – Afret )، بالسومرية (نيتا – Nîta)، بالفارسية (زن – Zin)، بالأرمنية (كن – Kin)، بالرومية (كيما – Kîma)، بالألمانية (فراو- Frau)، باللاتينية (فامينا – Femina)، بالعربية امرأة (جمعها نساء)، بالفرنسية فامينا، بالصينية كين، باليونانية كينو، بالعبرانية إيشّا، بالتركية ( Kadin – كادن) ومنها كلمة (خاتون – هانم)  للشعوب الأصل التي أصلهم إيرانيون.

وردت في اللغة الكردية وبعض اللغات الأخرى أن جذر كلمة “المرأة” تدل على معنى واحد هو (الحياة، والطبيعة والحرية) هي نفسها أيضاً بالكردية تدل على المعنى ذاته في أصلها اللغوي حيث جميع الكلمات جين، جيان، شين، كيان، جيهان، جه (المرأة، الحياة، الحي، الروح، العالم والمكان) لهم نفس الأصل اللغوي. أيضاً الكلمات جيندار، جينداري، جيندا، زندي وجن وجيان (حي، بحيوية، مانح الحياة والحي والمرأة والحياة) لهم نفس الجذر اللغوي. وكلمة الحياة في اللغة السومرية ته وتي، بالسومرية هي بمعنى الحرية تأتي كلمة آماركي وتأتي بمعنى العودة إلى الأم أيضاً.

بالعربية الحياة هي /عيش/. اسم عائشة اشتق من هذا الجذر. كلمة أخرى بمعنى الحياة هي كلمة أنثى /حياة/ وهي اسم من أسماء النساء. كلمة /نساء/ في العربية جاء جمعا لكلمة امرأة، وكلمة /إنسان/ أيضاً فهو شيء ملفت للنظر في وجه التشابه بين الكلمتين. أيضاً باللغة الإيرانية على عكس اللغات الأخرى كلمة /إيشّا/ هي بمعنى الرجل تم اشتقاقها من /إيش/. وبهذه الكلمة يستطيع الإنسان أن يرى بأن ذهنية الرجل المتسلط قد تم تأسيسها في اللغة. باللغة الإسبانية كلمة /لا فيتا/ يعني الحياة تأتي من كلمة أنثى. باللغة الفارسية كلمة الحياة / زانداكي/ والمرأة / زان/ جذرها واحد.

لقد سُلبت من المرأة حقوقها في المجتمع بسبب الممارسة الجبرية التي فرضت عليها، والسبب الرئيسي هو إنكار وجود المرأة في المجتمع، حيث تم فرض العبودية عليها، وتم التمييز بين الجنسين، وتجاهل ثقافة المرأة، وهذا ترك شرخاً في كل مجالات المجتمع.

في علم النفس يتم تقييم عاطفة المرأة، والتي يتم من خلالها حساب التغيير النفسي والجسمي والفكري ما يؤثر ذلك على المرأة، وفق ثقافة المجتمع. ففي رأيهم أن طبيعة المرأة تختلف من جهة الهرمونات، وهي التي تنجب الحياة لذلك لا يمكن أن نفرق بين المرأة والحياة، ولكن بسب الحالة أو الدورة الشهرية التي تتعرض المرأة لها، فكلّ مجتمع ينظر بمنظور مختلف عنها، منهم من يرونها مصدر للفخر ومنهم للعار ومنهم للضعف حسب المجتمع المحاط به. أما نحن فنرى أن كل شعرة تنمو بجسم المرأة ينمو معها حياة جديدة.

يقول “بول ايكمان” هناك ست مشاعر للنفس في العالم مشابهة منها: الخوف، والغضب، والحزن، والاندهاش، والاشمئزاز، العمق في العاطفة، والتوازن بين الذكاء العاطفي والذكاء التحليلي، كيف نتحكم بغرائز أنفسنا، وتأسيس العواطف كيف أصبحت؟ ماذا نفهم من العلاقة بين السياسة والعاطفة، ما هو الشيء المشترك بينهما؟ فالولادة في الكائنات الحية جميعها الأنثى هي التي تلد وتنجب.

طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة

إنّ طبيعة الحياة مزدوجة، رجل وامرأة. إذ هناك علاقة ذات مغزى بين الجنسين، فإن الحياة والطبيعة والحرية والمساواة ستسير بسلاسة وبشكل جيد. كما أن طبيعة الرجل والمرأة تكمل بعضهما البعض، وقد أبعدت السلطات بين كلا الجنسين ونفرتها عن طبيعتها.

دراسة أسباب ونتائج التدخلات التي تقوم بها السلطات هي من مسؤولية علم الجنولوجيا. كما أنه من مسؤوليتها أيضاً إعادة الاتصال بين كلا الجنسين من حيث الحرية وعلم الجمال والاخلاق. وعلم الجنولوجيا هو أيضاً الاسم الذي يطلق على تطور نظرية التعايش الحر.

إن تطور علم الاجتماع يعطي مفهوماً صحيحاً للحياة الحقيقية، وهو يدعو إلى التعايش الحر بحد ذاته، ويقوم علم المرأة أيضاً بتحليل العلاقات القائمة وتحديدها وتطوير الحلول والمشاريع. الرجال لا يستطيعون رؤية المرأة كإنسانة وصديقة وشريكة حياة وشريك روحي؛ بسبب ثقافة الهيمنة الذكورية، ينظرن إلى النساء كخاضعات وتابعات وزوجات وعشيقات وأملاك لهم. حتى اليوم يقتل كلا الجنسين بعضهما البعض روحياً. ويقول القائد عبد الله أوجلان في هذا الصدد: “على المرء أن يدرك جيداً أن التعايش الحر هو بناء اجتماعي”.

هذا المجتمع لا يقوم بين الرجل والمرأة، إنه مبني بين الأنوثة والذكورة الاجتماعية، ولا ينبغي أن ننسى إن الهيمنة قامت بشكل أساسي بين كلا الجنسين، وتأثرت العلاقات بين الجنسين وظهرت كعلاقة مهيمنة، ومن هذا المنطلق ستصبح نظرية التعايش الحر أحد المجالات الأساسية لعلم الجنولوجيا.

فمنذ آلاف السنين، تُرك واقع المرأة في الظلم، فعلم الجنولوجيا يهدف إلى إبراز حقيقة النساء اللواتي تعرضن للظلم، وكما يهدف إلى تعزيز علم المرأة داخل المجتمع بحيث يمكن تسليط الضوء على تاريخها.

وتقوم الجنولوجيا بالكثير من العمل العميق لتسليط الضوء على العالم المظلم حول النساء، وتوجيه روحها وجسدها وعقلها إلى النور. الجنولوجيا هو أنسب استجابة لوقف الإبادة الجماعية للنساء، وبناء أساس سليم لحرية المرأة.

   الجنولوجيا والعلوم الاجتماعية

لا يمكن تطوير العلوم الاجتماعية إلا بمعرفة الجنولوجيا وبيئة المرأة. علم الجنولوجيا هو بحد ذاته تدخل في العلوم الاجتماعية. إذا تمّ تنظيم الجنولوجيا من الناحية الاجتماعية ومن حيث التعريفات والسياقات وهياكل المعرفة وطرق المعرفة والبحث والأساليب الصحيحة يمكن القول بسهولة إنّها ستكون الحل لأزمة العلوم الاجتماعية المعاشَ اليوم، إن أساس كل العلوم هو المجتمع، أي إبداع النساء.

يمكن للعلوم الاجتماعية وحبها أن تفتح آفاقاً أخرى، وتستكشف عوالم مختلفة بواسطة المرأة وروحها وجوهرها، وستعتمد جميع الحركات النسائية التي تناضل من أجل الحرية، والديمقراطية على فكرة العلوم الاجتماعية للجنولوجيا، وستصبح مرشحات للتطوير.

إنّ قوة فهم المرأة لنفسها سوف تتوازى مع قوة تطوير العلوم الاجتماعية، وعلم الجنولوجيا المتمحورة حول النساء سوف يسدّ بشكل طبيعي جميع الثغرات، ويعمل على تصحيح الانحرافات، والتخلص من العقلية الذكورية المهيمنة.

يدرس علم الجنولوجيا جوانب وأسباب فشل الحماية الجوهرية تاريخياً وحاضراً، ويثير أيضاً أسئلة مثل مفهوم الحماية الجوهرية والمشروعة للمرأة، وكيف؟ ومتى؟ وأين تم كسر هذه الروح؟ وكيف أضر هذا الانكسار بعالم الرجال والنساء؟ وهل ستستمر حالة الانكسار؟ وكأنّها قدر محتوم.

  الحماية الجوهرية قضية حيوية وملحة بالنسبة للمرأة

ليس المطلوب فقط التعليم السليم ولكن أيضاً اليقظة والتفاني مطلوبان، وسينظم علم الجنولوجيا الحماية الذاتية في الأكاديميات النسائية. وبنفس الوتيرة ستكون جميع الدورات التدريبية والتعليمية متنوعة حيث تتناسب مع ثقافات كافة المكونات من النساء. التعليم والتوعية الفكرية أساس استراتيجي لمنهاج الجنولوجيا.

   الجنولوجيا والاقتصاد

 يعتبر علم الجنولوجيا الاقتصاد كأحد مجالاته ويبني الأبحاث والمشاريع حولها. من أجل تجاوز المشكلة الاقتصادية، يجب على المرأة أن تدخل مجال الاقتصاد مرة أخرى، ويجب أن تُبنى الأنشطة الاقتصادية من قبل النساء بحكمتهن وعقليتهن. من أجل نجاح العمل الاقتصادي، وهو من الشروط الأساسية للوجود الاجتماعي، بمشاركة قوى الحداثة الديمقراطية.

   علم البيئة (الايكولوجيا)

هو الطبيعة الفيزيائية والبيولوجية التي تعتمد على بنية المجتمع، ويتعامل علم الجنولوجيا مع القضايا البيئية من الناحية العلمية. كما أنّه يقوم على نموذج الديمقراطية والبيئة وتحرير المرأة، وتحدد المشاكل البيئية القوة التي هي مصدر هذه المشاكل، وعلى هذا الأساس، يمكن أن يصبح علماً للبيئة بقدر ما يمكنه تطوير مجتمع بيئي.

   الجنولوجيا كعلم يستهدف العقلية القائمة على ازدراء وإنكار وجود المرأة.

ويرى هذا الكفاح الحركة الصحية للمرأة ويهدف إلى المشاركة. يتعامل علم الجنولوجيا مع علم الصحة كمجال من مجالات العلوم. ولأجل عدم ضياع هذا العلم، فإن تعزيز العاطفة في المجتمع هو أيضا مسؤولية علم الجنولوجيا. ويرى أن الصحة من أحد ميادينه. كما أنه يستعرض تاريخ الطب ويعمل على إعداد أدوات باستمرار ويعزز البحث في مجال الصحة.

ظهر مفهوم علم الجنولوجيا من أجل الحركة والحياة الحرة، وسر الحياة، ورؤية تطور المرأة، الثورة وتحررها. فهو علم تطوير بناء المرأة، والوصول إلى حل حريتها وتحررها من الرأسمالية أو العبودية، ونستطيع القول إن المرأة يجب أن تحمي نفسها وتطور ذاتها وفكرها، للوصول إلى الحقيقة.

وفي التاريخ كيف ستكون رؤية المرأة إلى المواضيع التاريخية، وكيف ستبحث في التاريخ، وما التغييرات والأحداث التي طرأت عليها.

علم الجنولوجيا يكمن في الجمالُ والأخلاق ووعي الحرية، وعلم الجمال مبني على جمال روح وفكر المرأة الحرة، وتكمن فلسفتها في العيش حياة صحيحة، ولها قيمة للمرأة الواعية التي تسعى إلى التقدم والتطور بعلم الجنولوجيا.

قد يعجبك ايضا