سبعة أيام في حضرة الشتات

هناء داود

بيت حجري بأربع غرف وشجرة وارفة تغطي دارة البيت ،في إحدى الشوارع الضيقة من مدينة الحسكة .

مجموعة من الناس يجتمعون لعيدوا ترميم هوية مجروحة في ذاكرة لا تنسى طاعنيها ، ترى في وجوههم تفاصيل تتشابه ،

في لون البشرة المائلة للسمرة حكاية شمس الهبت تاريخ التيه في ذاكرتهم .

في فراغ دارةٍ تصدح أصواتُ مبحوحة و تردد في المكان حروف وكلمات عذبة في حصة لتعلم اللغة الأرمنية . رجال ونساء بأعمار مختلفة كان أكبرهم العم أبو صالح الذي بلغ السبعين . انهوا تدريب اللغة الأرمنية ليلتحقوا على عجل بتدريب جنولوجي ( علم المرأة ) ، و المقرر إعطاءه كمادة اجتماعية للمجلس الاجتماعي الأرمني .

لا أعلم لما يأخذون دروس في اللغة الأرمنية ؟

هم أرمن وليسوا أرمن ،عبارة كانت تجوب زوايا تفكيري كل لحظة أفكر بها و أفكر بهم . أجد بينهم من يتحدث الكردية أو العربية ، حتى أن فيهم فتيات يلبسن الحجاب كما تفعل الفتاة العربية ، فتتساقط الأسئلة فوق رأسي .

أي أرمن هولاء ؟!

هذا الوجوه ماذا فقدت ؟ عن ماذا تبحث ؟

كيف سيجدون ضالتهم ؟ و الأهم من كل ذلك من هُم ؟ .

بانفعال كبير بدأ اليوم الأول من التدريب لا يعلمون ما الذي سيتلقونه في هذا التدريب . علم يتحدث عن المرأة بدءاً بالأساطير وانتهاءً بيومنا هذا ،

لكن وما علاقة الرجال بهذا العلم !؟

أسئلة تجوب المكان

احاول كسر الخوف الذي تخلقه ماهية التدريبات عادةً ، اسأل عن الأسماء و أبحث عن أي شيء يكسر الروتين بيني وبينهم ، لكنهم كسروا كل ما كنت قد رسمت لهم في مخيلتي ، ولا سيما عندما عرفت اسماءهم .. معضهم كانت اسماءهم عربية أو حتى اسماء لخلفاء وأنبياء ، إلا أنهم كانوا ينادون بعضهم بأسماء أرمنية ، في حالة ربما يصح أن نسميها حالة نكوص عرقي .

بدأ الدرس ركضت المصطلحات والمفردات الجديدة وقوافل المعلومات نحوهم بتسارع

، وهم لا يعرفون أيٌ منها يستقبل و أيٌ منها يصدق ، وأنا لا أعرف أيها تناسب و أيها تنفع ؟ ربما كل شيء مناسب هنا أيها ستكون كلمة السر التي ستفتح لهم طريق الحقيقة !؟

أي حقيقة ؟!

حقيقة وجودهم التي أضاعوها ،ربما هم انفسهم مقتنعون بأنهم ليسوا حقيقين هنا ، رغم وجودهم شعب و تاريخ و ثقافة .

المفردات تقفز بينهم من طاولة لأخرى ، العيون مفتوحة لأقصاها و كأنها تحاول أن التوسع لتستوعب أكثر أو تحوي أكبر قدر من المعلومات . يناقشون علم المرأة و يستلهمون منه الأمل للبحث عن هويتهم ، و في كل مثال تكون المرأة الأرمنية حاضرة في نقاشاتهم ، بما أن العلم يتمحور حول المرأة ، وكأنهم على يقين بأن الوصول لحقيقتهم لن يكون إلا من خلالها و من خلال علمها لإعادة وجدهم .

فالحياة حقيقة و المرأة حياة .

هم يعيدون ذواتهم وتاريخهم بها .

اغلبهم يتحدث و يناقش ثقافة الأرمن ، و المرأة الأرمنية و عاداتها بغير لغتهم الأرمنية ، أفهموني أن اللغة تعتبر إحدى أسس الحضارة الأرمنية القديمة و مؤشر ولادتها وسرد مستقبلي حقيقي لفعاليتها ، لكن أوليس من المفارقة أنهم كانوا يفهمونني ذلك وهم يتحدثون بالكردية و العربية ؟!

بسعادة واضحة العم صالح وبأسلوبه الذي حفر العمر فيه ملامحه المتثاقلة ،يتحدث عن رؤيته للمرأة و تعامله مع بناته و أنه لم يتأثر بالبيئة التي تربى بها ، معللاً ذلك أنها الجينات التي حملها معه و توارثها من ثقافته التي تُعد فيها المرأة هي الجزء الأهم من الأسرة ، يحدثنا كيف كون صداقته مع بناته و كيف يحدثهم عن مفهوم الحب والعلاقة بين الرجل و المرأة ، و بعفوية لم تكن مقبولة لدى البعض اخبرنا عن رؤيته للتأثير السلبي للأديان على الحياة و المرأة و بعض العادات التي اقامت شرخا في البنية الاجتماعية للأرمن الذين ابتعدوا عن جذورهم وانصهروا في مجتمعات ليست لهم .

كانوا يجدون صعوبة في بعض المصطلحات ، لكنهم يتحدثون بعد شرحها بانفعال عن وجودها في حياتهم . و الملفت كان تواجد الرجال و مساهمتهم في النقاشات أكثر من النساء ، حتى في المواضيع الاكثر خصوصية التي تتميز بها المرأة ،كالإنجاب و الدورة الشهرية والعقل العاطفي و الحاسة السادسة ،و الملفت أكثر و أكثر هو شرحهم المنطقي لهذه الخاصيات و لاسيما العقل العاطفي و التحليلي و الحاسة السادسة .

أبو ليلى رجل بملامح شرقية دافئة لا يخفيها ، أكثرهم مشاركة و إسهابا و انفعالاً ، بل ربما هو الأقرب للجميع . ففي كل مجموعة محتدة النقاش تحسبها معركة أو خصام ، نسرع لفض النزاع من ثم نبتعد ونحن نضحك ، لا شيء فقط كان أن أبو ليلى يتحدث و يناقش في موضوع ما .

من أين يأتي بهذه التحليلات لكل فقرة تُطرح ؟ !

لفت الأنظار بحق عندما شرح لنا عن وجهة نظره في الحاسة السادسة كخاصية من خاصيات المرأة .

يقول: أنها صفة مشتركة بين الرجل و المرأة و لكن ابتعاد الرجل عن الطبيعة الأم ابعده عن هذه الخاصية و أنه في حال استطاع أي رجل أن يتصالح مع طبيعته و يتعايش مع الطبيعة الأم بشكلها السليم فإنه سيفهمها و سيستشف الأحداث قبل وقوعها و كان مثاله عن ذلك المفكر أوجلان وهو فيلسوف يتنبأ بالأحداث قبل وقوعها، معولا ذلك لتصالحه مع ذاته و مع الطبيعة.

ربما استطاع أبو ليلى أن يقنعنا ..

فأرى بعض الرفاق يبتسمون خلسة سعداء في ملكية صفة ليست حكراً للمرأة .

أحيانا كثيرة كنت أرهم و قد رحلوا عن قاعة المحاضرة بخيالهم ، عيونهم معلقة في مكان ما خارج القاعة ، لم أكن أرغب أن يبتعدوا وأنا غايتي هي استحضار التاريخ معهم .

فالجأ إلى المفاجئة في السؤال عن سطرٍ ما ، أوعن حادثة ما ، فأجدهم قد سافروا في رحلة المقارنة الخاسرة ابدا في منطق المقارنات ،و ليتحدثوا مبررين شرودهم ، وليخبروني عن ما كان يدور في مخيلاتهم

ماذا لو كانوا يعيشون ضمن مجتمعاتهم الحقيقية ؟!

ماذا يعيشون الأن ؟ وليتحدثوا بعد ذلك عن قصص الجدات و الأجداد وعن رحلة الموت .

كانت محاضراتنا تبدأ في منتصف الظهيرة لتنتهي بعد الظهيرة بثلاث ساعات لينال منا التعب والحر والجوع الذي كان يسرق من مخيلاتنا حيزا كبيرا ،

لنلجأ للحديث عن الطعام كبديل عما يدور في مخيلة الجائع ، ولبيداء من خلاله حديث عابر و قصير عن تقاليد الأرمن في الأكل ،و ماهي عاداتهم وأكثر ما يشتهر به المطبخ الأرمني ، والذي لم نستطيع في خضم حديثنا وجوعنا أن نفصله عن المطبخ الشرقي والذي يعكس التاريخ و الجغرافية حيث عاش الأرمن ، إلى جانب البيئة و المحاصيل . وكذلك مشاركة التأثيرات الخارجية من المأكولات الاوربية والشرقية كما أسلفنا ، و ككل شعوب الشرق كان للمأكولات التي يستخدم فيها اللبن و الحليب إلى جانب القمح بأشكاله الحيز الأكبر من اهتمامهم ، لم يكن الحديث عن المطبخ الأرمني مقتصرا على النساء ، بل كان الرجال أكثر رغبة في الحديث عن العادات و التقاليد الأرمنية في المأكل ، وإن كانت معلوماتهم مختصرة في بعض الأحيان إلا فيما يخص العادات المشتركة مع الأقوام والشعوب الأخرى .

فقط العم صالح بداء وكانه يستفز المعلومات لدى رفاقه ليسألنا عن فاكهة الأرمن المقدسة؟

بعضنا يسأل و بعضنا يسكت وملامحه تسأل

لا يطيل العم صالح زهوه بالمعلومة و ليخبرنا أنها فاكهة الرمان .

فالرمان في الميثولوجيا الأرمنية ترمز للخصوبة و الثروة و تعتبر أنه احارس ضد العين الشريرة وهي رمز الأمة الأرمنية تؤكدها الزخارف الالواح الاثرية (الأورارتية ) باسم (نورانتي) و تعتبر هذه الفاكهة رمز الحياة لدى الأرمن ، في حين أن التقاليد الأرمنية تخبرنا أن الرمان الناضج يجب أن يحوي على 365 حبة بحسب أيام السنة و في الأعراس الأرمنية يتم رميه على الأرض ، و انتشار حباته بشكل كبير يعني وفرة في الأولاد و في المال و درء العين الشريرة لذلك يمكننا أن نجد الرمان في المطبخ الأرمني وفي زخارفهم ، وهذا ما جعل الأدباء و الفنانين يستخدموه كرمز في فنهم حتى بعد الإبادة رمز لكثرة المعاناة و الألم .

التدريبات مستمرة في المجلس الأرمني الاجتماعي و الحوارات تكثر خارج إطار التدريب في الاستراحات أكثر .. و لكننا نعود معا ليحتدم النقاش و تكثر الأسئلة عن الجنولوجي وعن الالهة الأم انكساراتها و كأني اراهم يركضون من خلال الميثولوجيا التي تطرحها جنولوجيا نحو آلهة الأرمن و جذورهم

و كأنه هناك ما جرني معهم للميثولوجيا .

البداية عندما إحداهن اقترحت أن نخصص وقت للحديث عن الهة الأرمن في حين أنني لم استطيع منع الاقتراح و الدخول إلى مقارنة ميثولوجية لابد منها ، ربما كشعب منصهر مشتت كان أحوج ليثبت تجذره رغم الشتات ،

أرشو: ربما الأقرب إلى مجتمعها الأرمني بحكم أنها تعيش ضمن أسرة و بيئة أرمنية ، و لم يضطر اجدادها العيش ضمن جماعات مختلفة من كرد و عرب أو سريان . بدأت تتحدث عن الهة الأرمن و عباداتهم .

في البدء ورث الأرمن أسسهم الجوهرية من معتقدات الهنود الأوروبيين البدائيين وسكان المرتفعات الأرمنية . يُعتقد أن أقدم الطوائف كانت تعبد خالقًا يُدعى آر أو آرا و يعتبر إله الشمس.

آريف الأرمنية الجميلة بابتسامتها الناعمة كعادتها تتدخل بلطف في الحديث و تنسحب و نحن لانزال ننظر لانسياب الكلام ،

تقول أريف بدلال : إنها أنا ( آريف أو آريج ) اسمي هو الشمس ومشتق من اسم آلهتنا ومن هنا كان القدماء منا يسمون أنفسهم «أطفال الشمس» ..تبتسم آريف و تنزوي مرة أخرى إلى آلهتها لأتيقن بدوري أنها فعلا واحدة من تلك الآلهات .

أريف وغيرها اختصارات مستمرة لأنماط عبادة مستمدة من طوائف النسور والأسود والسماء.

في لهيب الظهيرة و قبل أن ننهي القسم الأول من النقاش أودع الدرس مع آريف ، أطلب منها ممازحة بأن تقرر هل هي شمس أم سماء أم طير ؟

ربما أو بالتأكيد هي كل ذلك مع فارق أنها لا تعرف بعد أين يحط رحاله ذاك الطير.

يقال أنه وقبل الميلاد ، كان للزرادشتية تأثير كبير على الديانة الأرمنية ، حيث مزجت فيها المفاهيم الدينية الإيرانية مع المعتقدات الأرمنية التقليدية ، ومنها أن أناهيد، قد تكون مستمدة من الإلهة الفارسية أناهيتا ، رغم أن الإلهة الأرمنية كانت مختلفة عن قرينتها الإيرانية.

في غرفتنا الصغيرة وفي هذه المدينة القابعة تحت ركام الحكايات و القصص كان لابد من متطوع يشرح ونحن نذكر الآلهة …. تاريخ لم يكن كثيرهم على اطلاع به .

شاب جميل في أواخر العشرينات ، اختلط بين الكرد و الأرمن بملامحه وبشرته ، لكن ذاك الأنف الشامخ المعكوف كان يؤكد هويته .

ربما من المضحك أن أحكم أو احدد هوية شخص من خلال أنف، من أين اقتبست هذه المعلومة لا أعلم ؟!

لكنها غالبا ما تنجح معي في علم التخمين الذي استخدمه بين الحين والاخر ، ولا أعلم متى اخترعته إلا أنه لم يخيب ظني حتى الأن ،

ما اسم ذاك الشاب ؟

لم اعرف حتى بعد انتهاء التدريب

حدثني أنه لا يؤمن بالميثولوجيا رغم أنه قرأها و تابعها كثيرا ، وأخبرنا انه قد تم رُبط آلهة الأرمن بالآلهة الإغريق القدماء ، وأنه و بعد الاعتناق الرسمي للمسيحية في القرن الرابع الميلادي، تحورت الأساطير والمعتقدات القديمة لتتحد مع المعتقدات المسيحية. وتولت شخصيات الكتاب المقدس وظائف الآلهة و الأرواح العتاق .

الوقت يباغت المجموعة التي لازالت تتزود من جنولوجي و تزودنا مما تبقى لديها من أخبار الأجداد …. وكأنهم يأخذون صور من أماكن بعيدة ، ربما هم رسموها وربما أباءهم ،

اما انا فكنت على العكس، أمتلك الكثير من الوقت ، فلقد خصصت وقتي ولمد اسبوع لهذا التدريب اقضيه بين التحضير له ، والقراءة عن الأرمن ، والكثير من الاستماع لقصص ارسم صورها في مخيلتي ..بناءً على قدرة الراوي و امكانيته في تحريك الصور بين الماضي الحاضر ، بين الحقيقة و الخيال كم يستطيع بعث الوجوه و خلقها .

في كل يوم كنت اذهب للمركز كنت اقف أمام صور بالأبيض والاسود لوجوه و حوادث عِدة تتراصف كالتاريخ فوق جدران المركزتاريخ كُتب و تواريخ لم تكتب ، ولاسيما تاريخ المرأة التي لم ينصفها أيٌ من كَتَبته .

صور نساء تنسج، و آلهة ربما هي اناهيد التي تحدثوا عنها ،و صور نساء عاريات معلقات على صلبان برؤوس متدلية غير معروفة أسماءها أو الملامح ، فقط أجساد نحيلة و شعور طويلة منسدلة عليها تحاول عابثة أن تواري الانكسارات التي مرت بها نساء كان صلبها هو صلبُ الحقيقة .

في بداية كل تدريب كنت انتهز لحظات انشغالهم بتأمل هذه الصور و السؤال الغير عفوي عن تاريخها قصصها ، حوادثها و أسماءها . .. كانت اغلب الصور ذات طابع نسوي ، نساء ينسجن و راعيات ونساء و اطفالهن ،تعكس حقيقة الحياة لأُناس عاشوا يوما في مكان ما لكن هناك من لم تعجبه هذه الحقيقة فسرقها ثم مزقها أما ما سرقه رفاقي الأرمن فلم يكن سوى زمنٍ سُجن في صور .

أرشو : سيدة كثيرة الحركة تحرص مع زوجها جان على الجلوس في الصف الأمامي .. لتناقش و تستشهد تضحت لجان فيضحك الجميع فرحا و تشويقا استغلت انشغلي بكتابة الخطوات الرئيسية للدرس فتحدثت بالأرمني مع جان أو كما تناديه هي جانو

فالتفتت و سألتها بدعابة : ارشو ما هذا الغزل المعلن ؟

لقد فهمت فاللغة الأرمنية ليست بغريبة عليّ و ضحكنا جميعا و لتأخذنا هذه الدعابة في استراحة الظهيرة للغة الأرمنية ، والتي تعتبر إحدى أسس الحضارة الروحية الأرمنية القديمة. إن لغة أي شعب لا تعتبر أهم مؤشر لولادته فقط، بل تُعطي السرد المستقبلي الحقيقي لفعالياته و نتاج احتكاكه مع الشعوب في أثناء مسيرتها التاريخية.

كان للشعب الأرمني لغته القومية و لكن تنقصه الكتابة بحروف أرمنية خالصة. لكَّنَ الشعب الأرمني استطاع أن يحتفظ بتراثه ،و ان ينقله من جيل الى آخر لحين اكتشاف الحروف من قبل القديس ميسروب سنة 403 ، وسميت بالحروف الميسروبية . ليبدأ بعدها قرناً ذهبياً من الترجمة و الإنتاج الأدبي بجهود القديسين المترجمين للحفاظ على التراث و نقله أيضــــاً من جيـــل الى آخــر.

كانت ارواحهم سهلة جدا رغم تحفظ بعضهم في بعض المواضيع ..

كثيرا كنت أتساءل لماذا هم مهتمون بعلم المرأة بهذا الشكل ؟! ربما هم من المؤسسات القليلة التي رأيت عندهم هذا الالتزام بالمواعيد والحضور والنقاش ما عجبني أني لم الحظ أي غياب منذ بداية التدريب و إلى اليوم الأخير ‘ وهذا ما شكل لدي فكرة مفادها اهتمام هذا الشعب بتطوير ذاته و تعامله مع العلم والعمل بجدية و على نفس المستوى

كان يعجبني كثيرا اسلوبهم في التعامل أثناء الاستراحات ، هناك من يحضر الشاي و أخر يحضر القهوة ، و أرشو كان مشغولة جدا تسرع لتحضر وجبة الغداء ، اعتقد انها وجيتهم اليوم هي المحشي، رائحته الشهية تغرق المركز ليرحل الجميع عني وليسرعوا نحو غدائهم ،

اتوقعه لذيذ وخاصة أني من عشاق هذه الأكلة ، دعتني أرشو لتناول معهم ، اعتذرت ، ربما خجلا أو ربما بداعي البريستيج الذي فرضته علّي وظيفتي .

المحصلة أني ندمت لما فاتني .. و أنا أعود للبيت جائعة لأحضر وجبتي الصغيرة من معكرونة لا أعرف صُنع غيرها .

وبروح الجماعة التي لا تنفصل رغم كل ذاك التاريخ وكل ذاك الشتات كنت أراقب هذه المجموعة أثناء الاستراحة وأثناء تحضير سفرة الغداء . فأخذني المشهد هذا لسؤال حضرته للاستراحة القادمة عن عادات هذه الجماعة و ثقافتها وتراثها المكتوب والشفهي .

و من خلال تلك الاستراحات وما فيها من مناقشات وفضولي الغير ملجوم في هذه المواقف . عرفت أن الأرمن قد مَرَّوا بفترات رائعة من الرُقي من خلال اكتشاف الحرف و ما تَبعَه من فن الترجمة و كتابة المخطوطات و روائع العلوم في الفن المعماري الأرمني و فن الرسوم الدقيقـــــة و الأغاني و الموسيقى عُدت جميعها من اسس التراث الأرمني الذي يدعو الى الإعجاب . و لكن مع الأسف، كانت هناك فترات خمودٍ . مما كان يُلزم المعلم والشاعر و الفنان و العالم و رجل الدين التوجه نحو الغرف و الأقبية الصغيرة في الأديرة المنتشرة في الجبال و الوديان و الكهوف المظلمة للحفاظ على تراث السلف من الضياع ، أو اللجوء الى أصقاع المهجر للسبب ذاته.

هي لعنة الأرض أو لعنة الشرق ….

بأن يحيا الإنسان تحت أرضها ليستطيع أن يعيش فوق هذه الأرض . و لكن روح ذاك الأرمني التواقة لم تيأس ، وليأخذ معه أينما حلّ شوقه لوطنه و تراثه

ولأي بلد يصل كان يعمَّرَ مدرسة أرمنية و يشيَّدَ كنيسة و يبنى مقبرة قربهما ، كان يَخلقُ كل جديدٍ من عدم ، متكئاً على تراثه و موروثه و حضارته المتنقلة معه.

أما الوطن المتألم الذي وقع تحت حكم السلاطين و القياصرة ، و القابع في ظلام الجهل و الغارق في الألم، و المحمول عل أكتافهم لم يستسلم لليأس أبداً، بل رفع كل المفردات التي لاحقته في الشتات و ليبدأ حفر النفق تحت ركام القمع والاضطهاد و بالانحلال في اجساد اقوام اخرى ، و لعدم امتلاكه أي جسم يتناول أموره غير كنيسته القومية، أصبح يثري تراثه الروحي عن طريقها؛

ليس غريبا و بحكم مضمون التدريبات التي تتناول علم المرأة أن نتطرق لمواضيع تعد صُلب جنولوجي ، إذ لابد لنا حين نفهم الجنولوجي أن نتحدث عن الفلسفة والعلم والسياسة و علم الاجتماع نتحدث عن الدين والحياة التشاركية التي تتطرق بدورها لأدق التفاصيل . لذلك كانت النقاشات تحتد خارج الدرس وداخلة ، .. وكلنا واثقون و لو أن احدهم مَّر لظن أنها مشكلة أو حتى صراع ،

لم أقل انه لا وجود صراع قاعة الدرس !

إلا أنه صراع من نوع أخر ، النساء تتدخل في النقاش بقوة و لا سيما حين تكون المواضيع نسوية و الرجال كعادتهم يرفضن الخسارة أو السكوت بحكم طبيعتهم ، مبررين أنها مواضيع تخص الطرفين وإن كان اسمه علم المرأة ،

وبصراحة و إن استطاعوا التغلب على رفيقاتهم إلا أنهم كانوا على حق ، فهو علم للمجتمع لا يحقق النهضة لطرف دون الاخر .

تجرأت اليوم وأنا في معمعة العمل أن أبحث بشكل تاريخي عما قاله هولاء :

أن الظروف الجيوسياسية سببت في انقسم الشعب الأرمني الى قسمين، شرقي و غربي. يمثل الأول الأرمنَ المتواجدين تحت الحكم القيصري الروسي و الثاني الأرمن المتواجدين تحت الحكم العثماني التركي . و مع انقسام الشعب أنقسم التراث بدوره الى شرقي وغربي ، و للأسف أوقفَت الذهنية السلطوية ومصالح الدول الرأسمالية العفنة اسهمت في توقف الرُقيَّ الطبيعي للشعب الأرمني. و هذا قد تم ذكره سابقا حين نظمت سنة 1915 الحكومةُ التركيةُ عمليةَ إبادةٍ جماعية للأرمن الغربيين بقتلهم و إبعادهِم عن أرضِ آبائهم. و بسبب هذا الظرف المفاجئ توقَّفَت حياة التراث لذلك الجزء الأكبر من الأرمن عن الخفقان. و كانت النتيجة أن سَلَكَ الآلاف منهم درب الهجرة الى ديارٍ جديدة ، ووعليه تمت اضافة الكثير إلى هذا التراث وتطبيعه بطابع الجغرافية الجديدة لهذا الشعب .

في حين أنه وفي الشرق غَيَّرَ الدب الروسي لونَ ثيابه من الأبيض الى الأحمر، فأقام مجزرة بيضاء بحقِّ الأرمن الشرقيين بتضييق الخناق على فكرهم القومي و إيمانِهِم الروحي .

توجه نحوي العم صالح بملامحه المتجهمة وتلك النقاط الزقاء في وجهه هي بقايا وشم كان قد نحته له شخص ما في شبابه .

أستاذة : يخاطبني بصوته المبحوح :

دعينا هنا نصل الى تلك القناعة كما اسلفنا ، أن صيغة التراث تتحَدَّدُ دوماً بالبيئة الجغرافية و الاجتماعية اللتين تحيطان بنا يا أستاذة .

نعم صحيح اجاوبه وأنا انتظر التتمة .

فلا تتعبين نفسك يا ابنتي بالبحث عن تراث خام ؟

فالأرض القومية هي التراب التي تتجذَّر فيها و تنمو عليها الأقوام والشعوب . والتراث الأرمني هو ثمرة أرض وقومية و تاريخ و حضارة . و كلما أشتدَّ الزمن قسوة ، كلما أصبح أمر الحفاظ على التراث هو العنصر الأهم لكل فردٍ و العنصر الأصعب .

فليست صدفة أبداً أن تكون ولادة التراث ، أي تراث والحفاظ عليه و تنقُّله مع الزمن يحتل المرتبة الأولى من حياة الشعوب منذ الساعات الأولى لولادة هذا الشعوب.

ينهي كلامه عمي لأهرب من حقيقة أغض عنها عين الذاكرة في هذه اللحظة .

ربما ضاعت التواريخ و التقاويم من بين أيدينا في هذه اللحظة نحن الذين اجتمعنا هنا .

فما أشبه اليوم بالأمس مع اختلاف اسماء اللذين يبحثون عن البقاء.

أعادني ذلك الحديث المتعب للانتباه في تأثير الثقافات الأخرى في ثقافة الأرمن وحياتهم اليومية و طبيعة تعاملهم مع بعضهم و تعاملهم مع الآخر ، ففي الاسبوع الذي قضيته في التدريب معهم ، كان الملاحظ تأثير الآخر كبير في عاداتهم .. ربما فقط بعضهم ممن استطاعوا العيش في بيئة قريبة من بيئتهم ، استطاعوا أن يحافظوا فيها على عاداتهم اليومية و طقوسهم اليومية في الموت و الزواج و الولادة ، لذلك كنت أجدني الجأ إلى ارشو و زوجها جان .

هما لم يزالا يمارسان العادات الأرمنية بحكم أن عائلتا ارشو وجان عاشتا في بيئة ارمنية كما ذكرنا في البداية .

غالباً ما يُصنف الأرمن على أنهم أناس مضيافون ووديون ولطيفون يحترمون الشيوخ ، فقيمهم الأسرية قوية. وهذا ما لمسته جيدا في ذلك الأسبوع من حيث التعامل و الاحترام ، وطريقة تعاملهم مع العم ابو صالح و الذي له مكانة خاصة بين المتدربين رغم الفارق العمري الكبير، يتحدثون عن الاحترام في الاسرة و عن طقوس الزواج أنها متشابهة تقريبا بين الجميع .. كون أغلبهم عاشوا في المجتمع الكردي والعربي ، فهم يمارسون طقوس هذه المجتمعات ، في حين أن جان يؤكد على الطقوس الكنسية كون الشعب الأرمني هو شعب مسيحي و مستمر في عاداته المسيحية ولاسيما في الأعياد و الزواج و الموت ،

تضحكني عادة لم تزال عند الأرمن و رأيتها عند الاشور أيضا،

وهي أن الفتاة الارمنية قبل الزواج تأكل كعكة مالحة و تنام دون شرب الماء لترى زوجها المستقبلي في المنام

يضحك جان أو كما ينادوه جانو و يقول :

لا أعلم إن كانت أرشو قد رأتني في منامها قبل الزواج ؟ ،

تجيب ارشو :

وهل كنت تزوجتك لو كنت رأيتك في منامي .. لتعج القاعة بالضحكات و الهمز الانثوي الجميل .

العم صالح يخبرنا أنه اشترط على الفتاة التي تزوجها أن يراها دون مساحيق تجميل ليكون الجمال حقيقيا ،

ويسبقني السؤال عن هذه العادة ، ربما لأنها أعجبتني

هل هي عادة لدى الأرمن ؟ وهل لاتزال موجودة ؟

يقول : لا .. فقد كانت العادة سابقة هي أن يدخل الشاب و أهله إلى منزل العروس و يقوم بزيارتهم أكثر من مرة ليتم التعارف الحقيقي ، أما الأن فكل تلك العادات تغيرت ، ليس لدى الأرمن بل لدى الجميع و هي إحدى نتائج المدنية التي تسمح لشاب و الفتاة باختيار الزوج خارج نطاق العائلة و تدخلها ، إلى جانب أنه لا يجب إعطاء الموافقة على العريس فورا ، وهي من العادات الاصيلة التي لم تزل مستمرة ، كما تسمى الزيارة الاولى لبيت العروس بالعبرة و عندما يأتي الرد يبدأ التحضير لطقوس الخطبة ، إلى جانب أن هناك حفلة بسيطة للنساء حصرا تسمى (رفع المستحا ) .. يتم فيها نشر جهاز العروس وثيابها و كل ما هو خاص ضمن طقس نسوي خاص مع الغناء و غيره ، . اتوقع إن هذه العادة غالبا عادة مكتسبة بحسب اعتقاد الجميع و اعتقادي أيضا .

وبعدها التحضير للعرس الذي يتم بطقوس كنسية بحتة لا تزال تُمارس و تُحترم ، وهذا تأكيد أن الهوية الثقافية الأرمنية الحديثة هي هوية متمازجة مع الديانة المسيحية ، ومع الشعوب التي تعتنقها كالسريان و الاشور و الكلدان والذين يشتركون في معظم هذه العادات و الطقوس . الأرمن

مضيافون ويحبّون استقبال الضيوف في منازلهم ، خاصة الأجانب الذين يستقبلون بالدف . وهم يحيون بعضهم البعض بالقبلة كمعظم عادات شعوب الشرق و يصافحون .

تختلف عاداتهم وطقوسهم في الزواج من بلد إلى بلد آخر، يعود ذلك إلى الموروثات الثقافية للشعوب التي انصهروا واندمجوا معها ، بعد أن هاجروا ديارهم و انصهروا ،فلا نجد اختلافا كبيرا لانهم عمليا اكتسبوا عادات تلك الشعوب ، لكن البعض لم يزل يحتفظ ببعضها .

نسيت أن أخبركم ..أن الدرس مستمر .

لكن العودة إلى التراث والثقافة كان احتياج جوهري يجمعنا أنا وهم في هذه العجالة من زمن لا نملك إلا مرة واحدة .

حدثوني عن عادات الزواج كثيرا ، كلٌ منهم يأتي بمعلومة من مكان ما . شباب و بنات ، فتية و كهول ، كلٌ من أدلى بدلوه ليبسط أمام الجميع ما في جعبته لمعلومات كان الأغلب على علم بها .

ربما كان تأثير درس الحياة التشاركية قد بدأ يلعب دوره أو هو ترميم لذاكرة يعمل أصحابها على إحيائها .

فعرفت أن من عادات وتقاليد الزواج لدى الأرمن قديما ، أنه على العروس يوم زفافها، ارتداء فستان مصنوع من الحرير الأحمر، وتغطية رأسها بغطاء مصنوع من الورق المقوى على شكل أجنحة يكسوها الريش، وبعد انتهاء الحفل، يدخل العريس وعروسه إلى صالة الاستقبال مروراً بقوس يعلو رؤوسهم صنعته ضيفات الشرف وأصدقاء العريس الذين يصطفون على الجانبين رافعين باقات الورود أثناء مرور العروسين، ويُلقي ضيوف الحفل بالقطع النقدية على العروس .

لتذكير فقط أن هذه العادة لاتزال موجودة لكنهم أضافوا لها الرز أيضا …. ومن عادات التقدم للخطبة لدى الأرمن المعروفة أن يتقدم العريس لطلب يد الفتاة التي يريدها من أهلها، في حين أن أسرة العروس توجه الدعوة لأسرة العريس لشرب الشاي أو القهوة، أو العشاء في منزلها ، وتُحضِر أسرة العريس بعض الحلوى و الهدايا الرمزية ، ليتقدم العريس بطلب يد الفتاة من والدها. وهو تقليد قديم ربما استمر للأن لكن مع بعض التغييرات ، وبعد ذلك يتم فيه دعوة عائل العريس وأقاربه من عمات وخالات وأخوات وجدود وجدات، وربما عدد قليل من أصدقائه المقربين لتناول العشاء في بيت أهل العروس، ويعتبر هذا اللقاء بمثابة تعارف رسمي بين الأسرتين. و هنا كما اسلفنا أنه اصبح يحمل شكلا أخر و يسمى (عبرة )، والملاحظ انها عادة موجودة في المنطقة أما الأن فأغلب الأسر الأرمنية تتبع العادات الحديثة .

هناك تقليد فيما يخص حذاء العروس ، وهو أنه بعد ارتداء العروس ثوب الزفاف، يدخل المقرب إليها من عائلتها غرفة ملابسها لمساعدتها على ارتداء حذاء الزفاف، وربما يقوم بذلك أخوها، أو ابن عمها، أو صديق مقرب من الأسرة ، إذ يقوم أحد الحاضرين من أسرة العروس بحمل إحدى فردتي الحذاء واحتجازها لديه إلى أن يتقدم أحد أقارب العريس لافتدائها بمبلغ من المال، وبالطبع يتم ذلك على سبيل المزاح، ويستمر لمدة خمس دقائقوأثناء تلبيس العروس تقوم الفتيات بكتابة أسمائهن أسفل حذاء العروس تيمناً وأملاً في اللحاق بقطار الزواج . وإذا ما تزوجت إحداهن، تشطب العروس اسمها من أسفل حذائهاو قبل أن تلبس العروس غطاء الرأس تقوم بتمريره فوق رؤوس الفتيات المقبلات على الزواج كي تجلب الحظ السعيد، ثم تقوم امرأة بوضع الوشاح فوق رأس العروس، ولكن يجب أن تكون متزوجة منذ سنوات وسعيدة في زواجها، وذلك بهدف جلب السعادة للزوجة الجديدة . ومن العادات لبس التميمة ضد العين الشريرة للعروسة ويطلق عليها الأرمينيون “اتشكا اولوونك”، وهي عبارة عن قطعة من الزجاج زرقاء اللون على شكل عين، ترتديها العروس، والهدف منها حماية العروس من الحسد والعين الشريرة التي يمكن أن تجلب لها التعاسة.

نجتمع معا هنا ونستمع ولا نعلم كم من عروس بيننا مرر الوشاح فوق رأسها و وضعت تميمتها ؟

معظم هذه العادات قد اختلفت الأن أو تغيرت نتيجة الانصهار مع عادات الشعوب التي سكن الأرمن بينهم بعد عام 1915 إلا قلة قليلة منهم إلى جانب التأثير الكبير للديانة المسيحية التي اتبعوها ، فأصبحت معظمهم ينتهجون الطابع المسيحي في الزواج و الأعياد و حتى الموت .

ساعات التدريب المخصصة للمجلس الأرمني الاجتماعي تقترب من نهايتها .

وسيل كبير من الأسئلة يعدو نحوي .

علم المرأة ، التاريخ، الشعر الأدب ، الموت والحياة ، و غيرها من الأسئلة التي ترفض الرحيل عن مخيلة أولئك الأرمن الذين رمتهم مطامع مغول القرن لمكان لم يكن لهم و ليبحثوا فيه عن تاريخ عن وجود شعب لايزال يجمع نفسه من هنا وهناك ، ليعيد كتابة تاريخ يليق به .

تقول أريف الجميلة : ماذا يعني أن تعترف أمريكا بإبادتنا وتطالب حليفتها تركيا بالاعتراف ؟!

بعد مئة عام لازالوا يستخدموننا وقودا لقذاراتهم ، ماذا سيعيدون لنا بهذا الاعتراف ؟

هل سيعوضوننا عن ذاك الألم الممتد فينا وذاك الشتات ؟

هل سيعيدون لنا اجداداً وأعمامً و جدات ؟! .

أريف و صديقاتها ، كم أعادوني ليومٍ نعيشه سيكون ذات زمن تاريخ .

في ذاك البيت الحجري بشجرته الوارفة الضلال في إحدى شوارع الضيقة في مدينتي

تتراكض الصور أمامي متصارعة متسارعة .

شنكال عفرين .. سري كانية كري سبي

المخيمات و النساء الاطفال و الأقدام الحافية الموت والهجرة والشتات

تؤام ترافق وجوه هذه الأرض الهاربة من قهر أبدي .

أريف و صديقاتها كما بارين وهفرين و أفيستا أخذنني في طريق البقاء ليكتبن التاريخ على

طريقتهن …. طريقة الآلهة .

قد يعجبك ايضا