ثورة المرأة هي الضمان الوحيد لنجاح الثورة الاجتماعية الديمقراطية

زاخو زاغروس

الحرب التي أعلنتها الحداثة الرأسمالية ضد النساء وضد الشعوب وصلت إلى درجة لا تطاق. أبعاد “حرب الكل ضد الكل” التي هي سياسة أساسية للحداثة الرأسمالية باتت مخيفة و مفزعة. إذ اجتاز ما عانته الإنسانية من مآسي في ظل هذه السياسة، ما عاشته حتى في العصور الوسطى. ويمكن تصنيف هذه المرحلة بأحلك و أفظع العصور في تاريخ البشرية. الجشع الذي يعيشه نظام الحداثة الرأسمالية وعملائها أدى إلى عقم فظيع في العقل البشري. لأن القصف اليومي الذي يتعرض له الذهن والعاطفة الإنسانية، يؤدي إلى شلل في عملية التفكير والإحساس الوجداني. لذلك نرى بأن هذا الوضع أدى إلى تكوين مجتمع مجرد من كل خصائصه الاجتماعية. فأحياناً يتم تشبيه المجتمع البشري بالمجتمع الحيواني، إلا إنني أرى بإنه إجحاف بحق الحيوان، لأن أي نوع من أنواع الحيوانات لا تقوم يوميا بقتل هذا العدد الذي يفوق الملايين يومياً من الأبرياء في عالم الإنسان من جنسها. فالإنسان تحول إلى وحش كاسر، يقوم بالهجوم على كل ما يحيط به.

بالطبع هذا الهجوم لا يقتصر على الناحية العسكرية بل يشمل كل نواحي الحياة. إن تحول الشذوذ الفكري والعاطفي والجنسي إلى نظام من قبل الحداثة الرأسمالية، يشكل أخطر مرحلة يمكن أن يصل لها الإنسان. هذا و من الأهمية القول إن النظام الذكوري السلطوي الذي يشكل لب الحداثة الرأسمالية يقوم بتعميق هذه الهاوية بشكل أكثر. وما الهجوم الذي تتعرض له النساء و الأطفال من اغتصاب و اعتداء و قتل إلا دليل على ذلك. في الحقيقة هناك حرب عالمية تسير على قدم و ساق في المنطقة. و لكن هناك حرب عالمية ضد المرأة أيضا، لا بل هي حرب عالمية ضد المرأة بحكم طبيعة المرأة التي تمثل الحياة والكون بحد ذاته. و إذا ما تم البحث في عدد النساء اللواتي تقتلن يومياً في كافة أنحاء العالم سيتم التعرف و بشكل واضح على أبعاد فظاعة هذه الحرب. الحرب المشنة على النساء والأطفال هي أفظع أنواع الحروب لأنها ليست حرب بيولوجية فحسب، بل إنها حرب تحطم كل ما هو عائد للإنسان. هي حرب نفسية، حرب سياسية، حرب عاطفية، حرب ذهنية، حرب وجدانية و حرب أخلاقية. إن آثار الحرب الممارسة على المرأة لا يمكن أن تنسى أو أن يتم معالجة جروحها. ما تتعرض له المرأة يوميا من جروح تبقى نازفة، لأن هذا الجرح يتم تجديده يوميا من قبل النظام الرجولي الاضطهادي بشكل أو بآخر. و لأن مركز جميع الحروب هو الشرق الأوسط لذلك تكون آثاره عميقة و مؤلمة بالنسبة لنساء هذه الأرض بشكل أكثر. يمكن القول إن الحرب هي من أقذر و أبشع ما خلقه الإنسان خلال التاريخ. وهو تهديد ضد كل كائن حي. و لكن تسيير هذه العملية و بشكل مبرمج خلال آلاف السنين ضد المرأة كان له تأثير سلبي لامحدود على وضع النساء والمجتمع عامة. و من المؤسف هو إن هذه الحرب مازالت تحصد طموحات الملايين من النساء والمجتمع بأسره.

تعرض الآلاف من النساء لبطش و اضطهاد تنظيم غير إنساني مثل داعش، إلى جانب تعرض الآلاف منهن للقتل يوميا بذرائع مختلفة لا علاقة لها بأي أخلاق إنسانية. والاستثمار الجنسي الذي يمارس بحق الآلاف من الطفلات، إلى جانب إكراه الملايين من الفتيات على الزواج بشكل مبكر، والاعتداء القائم بحق الملايين من النساء سواء في بيوت الدعارة أو من قبل أزواجهن…إلخ كل هذه الممارسات تعبر عن التراجيدية التي نحن بصددها كمجتمع إنساني. الشيء الذي يجب أن يتم الاشارة إليه هو إن الحرب التي تمارس ضد المرأة لا يتم الاعتراف بها دوليا، إنها حرب سرية و يتم التعتيم عليها بشكل متعمد. إن ما تتعرض له النساء هو مجزرة و يجب أن يتم تعريفها بهذا الشكل، هي مجزرة وإبادة ممارسة بحق المجتمع والكون بأسره. إلا إنه كيفما كل ما هو متعلق بالمرأة هو مجردٌ من القيمة و يتم تهميش أبعاده، فإن المجازر التي تتعرض لها المرأة أيضا ليس لها أي قيمة قانونية و ثقافية ضمن الحقوق الدولية. لذا فإن الحرب المجهولة هذه، تحصد يوميا الملايين من النساء دون أن يهز لهذا النظام المنسوج بالذهنية السلطوية شعرة. إن ثقافة الاغتصاب والاعتداء التي تتعرض له النساء وصلت إلى درجة لا يمكن  إخفاءها لتطيل بكل فئات المجتمع. وحادثة الاغتصاب الجنسي الذي يتعرض له الأطفال الذكر في السجون التركية و في الجمعيات الخيرية، و قيام حكومة حزب  العدالة و التنمية بحماية تلك الجمعيات و الشخصيات التي تقوم بالجنايات بحق المرأة، إلى جانب ما تعانيه المرأة من اضطهاد في كل من السعودية و إيران، و تعرض الآلاف من النساء السوريات المهاجرات للاعتداء و الغصب هو قطرة ماء في البحر. لأن أغلب ما يحدث بهذا الشأن يبقى في الخفاء ولا يعلم به أحد. مهما كانت الظروف فإن من يتحمل المصاعب في جميع المجالات هي المرأة. هي أول من يضطر لتحمل مسؤولية الأطفال على كافة الأصعدة في راهننا. الأضرار التي تسببها الحرب تنعكس على المرأة بشكل مباشر. مثال بحسب الأرقام يقال بإنه قد ولد 200 ألف طفل سوري في تركية فقط في فترة الهجرة القائمة بسبب الحرب. وهو ما يعني ولادة 200 ألف طفل بدون وطن، بدون هوية و دون أي ضمان اجتماعي، صحي و أمني و ثقافي. وبالتالي فإن 200 ألف إمرأة ستقوم بدفع فاتورة هؤلاء الأطفال لوحدها، لأن الأب إما قد يكون في الجبهة أو يكون قد قتل أو أستشهد،  أو قد ترك الأطفال و ذهب إلى الخارج، و… إلخ. في النهاية الأم  هي من تدفع الثمن وتبقى لوحدها في مواجهة معاناة هذه الحياة. كل هذا يؤكد على إن أزمة المرأة هي أضعاف ما يعيشه الرجل في منطقتنا. لأنها إلى جانب القضايا الوطنية و الإقليمية العامة، فإنها تعاني نتيجة الثقافة الجنسية الاجتماعية الموجودة أيضاً. لذلك فإن التحام أزمتها الخاصة مع الأزمة العامة أدى إلى تفاقم الوضع بشكل أكثر بالنسبة للمرأة. بحيث أصبحت تعيش أزمة فوق أزمة و عقدة فوق عقدة. و هنا يطرح هذا السؤال نفسه علينا، وهو هل يمكن للمرأة أن تخرج من هذه الأزمة و الفوضى بنجاح؟ و ما هي سبل و شروط هذا النجاح؟

قضية المرأة هي أعمق القضايا لذلك هي بحاجة لأعمق ثورة

قضية المرأة وبالرغم من كل سياسات التعتيم و التهميش، فإنها باتت تفرض نفسها على كافة الأصعدة. إفلاس العلاقات الموجودة ضمن العائلة، تطور نسبة الوعي لدى النساء و عدم قبولهن كالسابق بما تفرضه الذهنية الرجولية السلطوية عليهن، إلى جانب تفاقم القضايا الأخلاقية في المجتمع بشكل عام جعل التوقف على حل هذه القضية أمرٌ لا مفر منه.

فعملية إسقاط المرأة أدى إلى أن يسقط الرجل والمجتمع بأسره. تشيئ الرجل للمرأة أدى و مع الزمن إلى تشييء الرجل أيضاً. العلاقة السلطوية التي نفذت إلى خلايا العلاقات الاجتماعية بشكل عام أدت إلى أن يتم تأنيث المجتمع و الرجل أيضاً. بحيث لم يعد للرجل إرادة و قوة يتباهى بها، لأن الرجولة أيضا باتت في الحضيض. القوة، السلطة، المال و العلموية تقوم بدور الرجل في الوقت الراهن، و الآخرين جميعهم يلعبون دور النساء. لذلك قضية المرأة ليست فقط قضية اجتماعية و إنما هي قضية سياسية و قضية ثقافية بنفس الوقت. و إذا لم يعمل مجتمعنا على حل هذه القضية، وتحقيق التقدم فيها فإنه لا يمكنه النجاح في القضايا والساحات الأخرى. بما إن هذه القضية جذرية و عميقة فإنها بحاجة إلى حلول جذرية و عميقة أيضاً. وكيفما إن جميع القضايا التي نعيشها لا يمكن أن تحل عن طريق البعض من الإصلاحات والترميمات فقط، فإن قضية المرأة أيضا لا يمكن أن تحل ببعض التغييرات والإصلاحات البسيطة. لذلك فإن هذه القضية أيضا بحاجة إلى ثورة. هذا يعني بأنه هناك حاجة إلى تغيير كامل للنظام الجنسوي الاجتماعي الموجود. فالنظام قد اهترئ ولا يمكن أن يتم ترقيعه.

هذه الأرض شهدت ثورات نسائية عديدة. ثورة الزراعة، ثورة الريف، ثورة العلم، ثورة الأخلاق و المجتمعية نشأت في هذه الديار و بأيدي النساء. لم تعش النساء العبودية من الأزل كما يدعيه النظام السلطوي الرجولي. فالنساء كن آلهات، كن عالمات، كن رمزات البركة و الخصبة والقداسة. ورغم كل سياسات الإبادة والإنكار والتهميش الممارس من قبل الرجل السلطوي إلا أن أسماء عشتار، شعباد، إينانا، تيامات، هيباتيا، زنوبيا، خديجة، فاطمة و زينب، وغيرهن ما زالت تلمع كنجوم في ظلمة تاريخ الحضارات والأنظمة الرجولية السلطوية. وهذا لا يعبر عن شيء سوى عن قوة ثقافة المرأة الآلهة. قوة هذه الثقافة النسائية استطاعت أن تحطم الحصار الذي فرضه  الرجل السلطوي على التاريخ. ونجحت في أن تبشرنا بأن هناك تاريخ نسائي مجيد، وبإنه ليس كما يقول السومريين” التاريخ بدء من سومر” بل  كان هناك تاريخ قبلهم أيضا و هو تاريخ نظام الأمهات. لذلك هذه الأسماء هي بالنسبة لنا كالبوصلة التي يمكن أن نصل بها إلى الحقيقة. وإن قيام النساء الكرديات اليوم بهز العالم ببطولاتهن و تقدّمهن، يعود إلى حصولهن على هذه البوصلة. تعلم النساء الكرديات المناضلات لأجل الحرية جيداً بأن ما يفرض على المرأة اليوم ليس بقضاء و قدر. وإن الذهنية والنظام السلطوي الموجود الآن هو من إيجاد الإنسان. لذا يمكن على الإنسان أيضاً تغيير هذه الذهنية وترسيخ الصائب والحقيقي بدلاً منه. وإذا ما سلك الإنسان الطريق الصائب فإنه يمكن له أن يتجاوز الموجود الزائف. ومنه فإن تحقيق الثورة الذهنية يعد أمراً حياتياً لأجل تحقيق ثورة المرأة. علينا نحن كنساء أن نتعرف على التاريخ المجتمعي المكتوب والغير المكتوب. علينا أن ندرس الفلسفة المجتمعية ونبحث عن ذاتنا الضائعة. لأن المعرفة هي طريق الحقيقة. لم يصل أحد للحرية عبر الجهل حتى الآن؟ الإنسان الجاهل يكون مثل الإنسان الذي يسير في الظلام، تماماً كما هو فاقد البصيرة. بيد أن الجهل رُمِز بالظلام دائماً على مر التاريخ. أما رمز المعرفة فقد كان النور. المعرفة كما النور تنير طريق الإنسان دائماً. هي كالماء الذي يحررنا من التصحر الموجود في عقلنا وقلبنا فيجعله مخضرا و مزهراً بشكل دائم.

النساء في البداية كنَّ ينبوع الحياة. والمثال الرائع الذي يعبر عن هذه الحقيقة بوضوح هي كون كلمة المرأة والحياة، الأم والعطاء يحملان نفس المعنى في اللغة الكردية. المرأة تعني الحياة، تعني العطاء هذه هي الحقيقة التي تمثلها المرأة قبل خروج النظام السلطوي الهرمي الرجولي. همشت هذه الحقيقة وحرفت في العصور السلطوية الذكورية. لم يعد ينظر للمرأة كإنسان بل باتت شيء، وتحولت إلى جماد و إلى صحراء مقفرة. للرجوع إلى الحقيقة الجوهرية المعطاءة مرة أخرى يجب أن نروي ذهننا و أرواحنا بالمعرفة، بالعلم، بالتاريخ و بالفلسفة. يجب أن نسأل عن ماهيتنا، و نعمل على تجاوز القيود التي تكبل أفكارنا. إن التقاليد و العادات الرجعية أصبحت جزء من حياتنا، لدرجة أصبحنا نتقبلها بشكل طوعي ونقوم على نقلها للآخرين من حولنا أيضاً. تماماً مثل المدمن الذي لا يقدر ترك ما يدمره. لا يوجد شيء أفظع من هذا الوضع بالنسبة للإنسان. ما يعاش على هذا الأساس هو العبودية الطوعية. ترى المرأة نفسها ملك للغير، و تقوم بالبحث عن سيد لذاتها. ترى ذاتها كشرف للرجل والعائلة. هذا ما تعلمته ورأته وسط المجتمع الجنسوي القائم لصالح الرجل السلطوي. ولا يمكن لها اجتياز هذه الحياة الخاطئة التي رسمت لها بسهولة. يقول قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان بهذا الشأن ” حتى عندما يفتح باب القفص فإن المرأة تتردد في الهروب منه” هذه هي الحالة التي تعيشها المرأة بالفعل. إذ وصلت المرأة لدرجة القبول بهذا الواقع على أنه قدرها. لذلك و قبل كل شيء يجب علينا نحن النساء أول الأمر أن نتعلم الرفض. علينا أن نرفض هذا الواقع أول الأمر. يجب أن نسأل أنفسنا أسئلة لم نتجرأ عليها حتى الآن، وأن نتعلم التفكير بشكل مستقل و أن نحاول كسر القوالب الذهنية التي تعودنا عليها. حينها سنرى بأن الحياة ليست كما منحت لنا. البحث عن الجديد يعتبر أمراً هاماً جداً للخوض في الحياة الجديدة. قام نظام الرجولة السلطوي قبل كل شيء باستعمار أذهاننا و قلوبنا لذلك لن يكون من الخطأ أن نقوم بداية بتحريرها لنبدأ الخطو نحو الحياة الحرة.

في الحقيقة هناك هروب من قبل النساء في هذه الناحية حتى الطليعيات في الحركة النسائية تهرب من عملية التفكير بشكل متحرر و مستقل. لأن النساء مثل جميع العبيد، تعودن على استخدام الأيدي و الأرجل فقط. النظام السلطوي ترك هذه الساحة فقط لهما. فالمرأة حتى و إن درست فإنها لا تخرج من نطاق التدبير المنزلي و الأعمال اليدوية. فسياسية التقزم الفكري هذه تمارس و بوعي من قبل النظام الرجولي السلطوي. لأنه يعلم جيدا بأن قوة الفهم و قوة المعرفة تؤدي إلى البحث و البحث يؤدي إلى التعرف على الجديد و هذا يعني محاولة تجاوز القديم. لذلك ومن أجل أن لا تتمكن المرأة من التفكير بشيء جديد، يتم وضعها داخل دوامة الأعمال المنزلية و الاهتمام بعدد كبير من الأطفال بحيث تعجز عن فتح عيونها من وطأتها. لذلك ومن الأهمية قيام النساء بتطوير عملية التثقيف بكل أنواعها. لأن الحرية تبدأ من الفكر. ومن لا يملك فكرا متحررا لا يمكن أن يعيش حراً. لذلك فتح أكاديميات المرأة يعتبر أمراً لا بد منه. في الحقيقة أكاديميات مؤتمر ستار في غربي كردستان، أثبتت مدى أهمية هذه الساحات من أجل توعية المرأة. لأنه ضمن هذه الأكاديميات بقدر ما تتعرف المرأة على نفسها فإنها تقوم بكسر الحواجز التي فصلت بها النساء عن بعضها. فمن خلال هذه الأكاديميات تصل المرأة إلى العقل و العاطفة المشتركة و هذا ما يجعلها تعيد الثقة بنفسها و بجنسها. لا تتعلم المرأة الفكر التحرري فقط ، بل إنها تتعرف على القوة الجماعية أيضا.

بالطبع الفكر المتحرر فقط لا يكفي من أجل العيش الحر. بل هناك حاجة إلى قوة نضالية تتمكن من تطبيق هذه الأفكار في الحياة العملية. القضية كبيرة جداً، لذلك هناك حاجة لتنظيمات قوية لكي تقوم بتطوير النضال وفتح المجال للمرأة لتشارك في كافة مجالات الحياة التي طالما تم تهميشها فيها. و الجدير بالذكر إنه عندما نقول التنظيم لا يعني فقط التنظيم بمعناه الكلاسيكي. بل يعني أن تقوم المرأة ببناء نظامها و مؤسساتها العائدة لها. من خلال الأكاديميات ستقوم بالنضال ضد الفكر السلطوي للرجل، وعن طريق مؤسسات المرأة الاجتماعية ستقوم بحماية نفسها من ما تتعرض له من اضطهاد داخل البيت و خارجه. وبالتنظيم السياسي يمكنها تمثيل ذاتها في مراكز صنع القرار، والمؤسسات الاقتصادية الخاصة بالمرأة ستوفر للمرأة حماية جهودها من الاستثمار و ستؤمن استقلالها الاقتصادي و هذا بالنسبة للمجالات الأخرى أيضا. هذا يعني إنه هناك حاجة إلى نظام متوازي يقوم بحماية حقوق المرأة في جميع نواحي الحياة. وأريد أن أؤكد هنا، إن قوة الثورة في روج آفا تكمن في قوة ثورة المرأة. ولم تقف عند هذا الحد فقط بل أصبحت ثورة المرأة في روج آفا (غربي كردستان) منبع إلهام لجميع النساء في العالم.  ويعود ذلك إلى النظام الخاص بالمرأة المتوازي للنظام العام. نظمت المرأة في روجافا صفوفها بشكل مستقل لذا استطاعت تضمين حقوقها في كافة ميادين الحياة. و لن يكون من المبالغة القول إن المرأة في روجآفا يمكن أن تشكل نموذجا من أجل جميع النساء في العالم. لأنها تقدم البديل لما تعيشه المرأة من معاناة.

والشرط الآخر الذي لابد منه من أجل تحقيق ثورة المرأة، هو بناء نظام دفاعي يقوم بحماية المرأة من ما تتعرض له من هجمات. فالمرأة في مجتمعنا حرمت من كافة آليات الدفاع الذاتية. ومن أجل أن تكون تابعة للرجل تم تجريدها من كل أنواع القوة التي تمكنها من حماية نفسها. المرأة تشكل أضعف حلقة في البينة الاجتماعية من هذه الناحية، لأنها و نتيجة تعرضها الدائم للعنف النفسي و الجسدي من قبل النظام الرجولي السلطوي، فإنها فقدت الثقة بنفسها، لدرجة الخوف حتى من ظلها. حماية الحقوق وقوانين الدول  للرجل يؤدي إلى أن ترضى المرأة بقدرها. و خاصة في ظل الحرب الدائرة في المنطقة فإن أكثر الفئات الاجتماعية التي تتعرض لعملية الاغتصاب والاعتداء هي المرأة و الأطفال. المرأة المحرومة من الدفاع الذاتي بكل أنواعه هي مثل الكائن الذي وقع في فم وحش بحيث يمكن أن يتم بلعه في أي وقت. درجة التهديد التي تواجه المرأة هو في هذا المستوى من الخطورة.

هناك أمر واضح وهو إن المرأة العاجزة عن حماية نفسها، لا يمكن أن تدَّعي بإنها متحررة. لذلك يعتبر بناء النظام الدفاعي للنساء أمرا لا بد منه. تعتبر تجربة المرأة في روج آفا نموذجا حياً من أجل جميع النساء. وثوق المرأة في روج آفا من نفسها لهذه الدرجة، يعود و بالدرجة الأولى إلى مشاركة المرأة الفعالة في عملية المقاومة ضد الهجمات التي تشنها داعش و القوى الرجعية الأخرى من خلال وحدات حماية المرأة و قوات أسايش المرأة. إلى جانب ذلك فإن التمثيل المتساوي للمرأة في كل المؤسسات يلعب دوراً كبيراً في حماية حقوق المرأة. نظام الرئاسة المشتركة – الذي يتخذ نظام الحصة 50% أساساً-  والذي يطبق في روجآفا الآن يعتبر آلية دفاع ذاتية هامة بالنسبة للمرأة.

نظراً إلى ما تم ذكره في الأعلى نرى بأن ثورة المرأة لا تمس فقط بجانب من جوانب الحياة و إنما تشمل كل ما يمس بالحياة. إن تحقيق ثورة كهذه في مجتمعنا سيحقق نهضة فكرية و اجتماعية عظيمة ليس بالنسبة للمرأة فقط، بل سيحرر الرجل أيضا من القوالب الفكرية السلطوية و الجنسية الاجتماعية. لذلك علينا كنساء أن نعمل ليل نهار على درب تحقيق هذه الثورة. وعلى أساسه فإن ثورة المرأة بالنسبة لنا أهم من الماء و الخبز. وبما إن الحياة الندية المتحررة يمكن أن تتحقق بين إمرأة و رجل قد حققا ثورة ذهنية و أخلاقية. إذاً الطريق الوحيد للوصول إلى هذه الحقيقة هو تحقيق و نجاح ثورة المرأة التحررية.

 

قد يعجبك ايضا