إشكالية التغيير من كردستان إلى كينيا

السعي لتغيير الأنظمة التي تكونت بعد انسحاب الدول الاستعمارية بات مطلبا لايرتبط بدولة محددة أو شعب معين. فالكيانات السياسية في الدو التي انبثقت بعد

تضحية ومقاومة من كافة فئات الشعب، وتبعية هذه الأنظمة للقوى الدولية لتضمن استمرارها وبقائها على حساب مصالح شعبها، واعتمادها على سلب المجتمعات من قيمها المعنوية والمادية وممارستها العنف النفسي والجسدي الى ان تصل للتصفية الجسدية لمن يعارضها وأيضا كونها أنظمة فاشية تعتمد على التمييز العرقي والاثني في المجتمعات لا يقتصر على نظام او مكان محدد. لذلك نشهد حالة غليان جماهيري في أكثر من شعب مطالبة بحقوقها الطبيعية بالعيش على أرضها بهويتها.

فنحن في شمال وشرق سوريا لسنا الوحيدين الذين يبحثون عن حل بديل لنظام الدولة الذي ينظم نفسه على النهب من المجتمعات، وللبحث عن حل بديل للأنظمة

الراهنة تم تنظيم مؤتمر إشكالية التغيير الذي عقد في كينيا والذي ضم حضور

ممثلين من المجتمعات المحلية الكينية وشرق افريقيا من قبائل وأحزاب سياسية وكان للمرأة حضورها وتمثيلها الخاص في الجلسات.

وأيضا تمت دعوة اكاديمية جنولوجي للمشاركة في المؤتمر لتتم مشاركة نهج جنولوجي العلمي والعملي والمعرفي لإنهاء الاستعمار والأساليب التي يتم اتباعها للمحافظة على الوجود وخصوصية الشعب الكردي، فجنولوجي الذي انبثق من فلسفة تحرير الشعب الكردي للقائد عبد الله اوجلان، وتنظيم المرأة الكردية وأيضا مشاركة تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والتي تضم مكونات متعددة من كرد، عرب، سريان، ارمن، اشور يعيشون على أرضهم التاريخية وتعرضوا جمعيا للتهجير والابادة.

كان المؤتمر يتحدث عن الشعوب المحلية ومقاومتها للدولة التي تحاول ان تستولي على الأرض التاريخية للسكان المحليين، لذلك خلال اليوم الأول كانت هناك شعور بأننا مع اختلاف اللون والجغرافية التي ننتمي إلا إنه لنا قضية مشتركة، فكما يتعرض الشعب الكردي لعملية إبادة مادية ومعنوية وجسدية الامر نفسه ينطبق على كل من حضروا.

فقد أشار المشاركين من الأحزاب والحركات الاجتماعية في نيل دورهم بتنظيم المجتمع ونشر الوعي السياسي للتخلص من الفقر والإبادة الثقافية لهم كشعب افريقي. وحسب ما ذكروه %80 من السكان هم تحت خط الفقر، وأيضا الدولة تقوم بمصادرة الأراضي للمنازل والاكواخ التي تأوي سكان المناطق الفقيرة أو تستولي على المساحات الخضراء فيها لإنشاء مشاريع للشركات الأجنبية أو انشاء طرقات. هم كانوا يبحثون عن متنفس لهم في المدينة فقد لاحظنا ارتباطهم بالطبيعة والغابات لذلك هم

يسعون للحفاظ على المساحة الخضراء وتأسيس حدائق عامة k للشعب. هم كانوا

يتحدثون عن التصفية التي يتعرض لها الشبيبة الناشطين سياسيا وخاصة أكانوا من

الفئة الفقيرة الغير متعلمة في المدارس.  بحيث تفقد أسمائهم من الذاكرة الجمعية

بسهولة ولكن يبقى أثر الخوف من الاغتيال بين المجتمع. هم تحدثوا عن حركات

 

وفعاليات منفصلة يقومون بها عندما يكون هناك إبادة للسkكان في منطقة ما. كما

حصل عندما شهدت احدى مناطق العاصمة نيروبي فيضانا، وشرد نتيجتها عشرون الف شخص

شخص. وهم كانوا يعتقدون أن الفيضان فعل من قبل الدولة حيث وجهت عنفات

التخلص من مياه الفيضانات إلى تلك المنطقة مما زاد من شدة الفيضان والدمار الناتج عن الفيضان، وعندما حاولت الدولة الاستيلاء على تلك المنطقة، كانت هناك ثورة

شارك بها الشعب لمنع الاستيلاء على الحي المدمر من الفيضان. كانت الاحتجاجات

الراهنة في نيروبي تشغل الحاضرين فالثورة ضد النظم الضريبية الجائرة على الاحياء الفقيرة تعتبر نهب لقوة يومهم. هذه ليست الثورة الأولى التي يقوم بها الشعب الكيني ضد الفساد ولن تكون الأخيرة، ووعي الشعب بات أكبر بأن التغيير لا يجب ان يشتمل على رأس الحكم المتمثلة بالرئيس فقط بل هو تغيير يشمل المنظومة التي تقوم بها الدولة وضرورة بناء استراتيجية وفكر سياسي ونظم محاسبة أيضا بدلا من استبدال بطغاة بآخرين.

الحفاظ على الأرض والثقافة كان هم كل يحضر الاجتماع، ولكن خلال النقاشات كانت تذكر السياسات المختلفة للدول الاستعمارية التي تسعى لإثارة التفرقة بين العشائر والأطياف المختلفة في المجتمع، وعلى نهجها يقوم السياسة في الدول التي كانت مستعمرات الاستفادة من التنوع القبائلي واللغوي والاختلاف السياسي لبث التفرقة. فقد كان ضمن سكان العاصمة نيروبي إحساس بالتهميش للقبائل الصغيرة أمام الأخرى التي تكون كتلتها البشرية أكبر فهي تفرض لغتها وأسلوبها في الحياة على حد قولهم. وبشكل عام يغلب التحدث باللغة السواحلية في نيروبي وهي مزيج من لهجات محلية وعربية وانكليزية ولكن بنفس الوقت، هناك قد يكون هناك لغة خاصة لكل قبيلة تعيش هناك، او قد تشترك بعض القبائل بلغة واحدة.

فلكي تستولي الدولة على الأرض تكلف عشائر أو بعض التابعين ممن تزرعهم ضمن أحزاب سياسية معارضة لها، وتسعى بذلك لبث التفرقة، لتتحول القضية إلى خلاف

مجتمعي داخلي. تهميش التعليم في المناطق الريفية ومنع السكان من الوصول إلى

المراعي والأراضي التي تعتبر مشاع للقبيلة، وحصر الرعي في مساحات قليلة مما يؤثر على عدد المواشي التي يمكن تربيتها خاصة أن سكان المنطقة يعتمدون على مشتقات المواشي من لحوم وحليب لاستمرار الحياة. والزراعة الموسمية تكون لنبات الذرة الذي يمثل مصدر غذائي للسكان والمواشي أيضا. تنخفض الملكية الفردية امام الملكية الجماعية للأرض لذلك يعيشون حياة كومنالية إيكولوجية.

فهم يرون في الغابة وكل ما يعيش ضمنها من كائنات قدسية خاصة يقتربون بحرص منها ويحافظون على التوازن الطبيعي فيها، فبزوال الغابة وكائناتها يكمن خطر عدم تساقط الامطار وانعدام المراعي لمواشيهم أو الحطب الذي يعتمدون عليه في البناء والطهي. لذلك هم يقاومون ضد الدولة التي تحاول ان تستولي على الغابات لتستفيد من اخشابها او تقتطع مساحات لنفسها.

إن من حضروا من قبائل وتنظيمات كانوا معتزين بتمكنهم للعودة لأرضهم كلما حاولت الدولة ابعادهم، فبعد كل عملية ابعاد يبدؤون بتنظيم أنفسهم لاستردادها، ولكنهم قد لا يستردون كل الأرض بل يتم اقتطاع جزي منها في كل مرة يتم اخراجهم ولذلك الخوف أن لا يبقى لهم مكان ان يقيت سياسة الدولة نفسها. فمن حضروا من قبائل لا

 

تمتد ارضهم على مساحة جغرافية لدولة معينة، فهم قد يتواجدوا في أكثر من دولة،

وكل افريقيا تعتبر ارض طبيعية لهم. لذلك كانت الروح الافريقية هي الحاضرة في

كلماتهم فهم يغنون لإفريقيا ويعشقونها فهي امهم التي ينحدرون منها. لم تكن الدولة بحدودها الاستعمارية تعني الكثير ضمن حديثهم.

 

 

إننا كجنولوجي نبحث عن روح المرأة وهويتها دائما، لذلك تميزت لقائتنا مع النساء من الحركات السياسية والمجتمعات المحلية والقبائل بخصوصية، فلم ينقطع النقاش حول

المرأة في المجتمع، ودورها وتاريخها. فالمرأة في شرق أفريقيا الذي لها دور بالدفاع

عن حق عودة الكلانات إلى أرضهم والمحافظة على المورثات الأفريقية، ولذلك لهن اجتماعهن الدورية وبرنامجهن السياسي.

فعندما يتم مواجهة الجنود الذين يسعون لترحيلهم عن أرضهم لجأت القبائل لطريقة جديدة خلال اعتصاماتهم السلمية الا وهي جعل النساء في الصفوف الأمامية بينما يكون الرجال خلفهن، فهم يأملون من خلال وجود النساء في الصفوف الامامية

تخفيف اعتداءات وعنف الجنود على الحراك السلمي. ولكن عند العودة للمنزل تعود

المرأة للصف الخلفي في المجتمع. فمعظم الفتيات يحرمن من حق التعلم، وأيضا

تعامل المرأة كالطفل فلا يؤخذ بقرارها، ولا يسمح لها أن تمتلك شيئا فكل الملكية يجب أن تكون للرجال بما في ذلك النساء يكن ملكية له. تتعرض النساء لشتى أنواع

العنف. ولذلك كان طرح ثورة المرأة ضمن فل kسفة القائد عبد الله أوجلان وتطبيقاته

على ارض الواقع في شمال وشرق سوريا ملهما لهن.

بروح ثورية وشعارات مستمرة كانت الشابات في حركات اجتماعية تشعلن المشاعر في المؤتمر (شعارهن قوة النساء، القوة الخارقة، هي قوة النساء)، (قوة الشعب، القوة الخارقة، انها قوة الشعب.) الفتيات اللواتي يرددن الشعار اسسن فرقة مسرحية تنشر

التوعية بما يتعلق بقضايا المرأة والمجتمع. ولكنهن كن محافظات على الروح

الافريقية للمرأة التي تتمتع بثقتها بنفسها لإحداث تغيير اجتماعي. النساء ضمن

الحركة اللواتي يسعين إلى الحرية والمساواة في المجتمع ويدافعن عن حقوق المرأة كانت لهن انتفاضتهن ضد قتل المرأة التي زادت وتيرتها، ولذلك في بداية هذا العام نظمن مسيرة ضمن عشرات الآلاف المناهضين لقتل المرأة.

خلال لقائتنا بالنساء سألناهن عن تاريخ المرأة في افريقيا هل لديهن فكرة عن واقع المرأة قبل أن تتأثر بالاستعمار الإنكليزي او التقاليد الإسلامية، ذكرت النساء أن التاريخ غامض لهن فليس هناك حافظة تاريخية والكثير من القيم الاجتماعية تغيرت نتيجة لانتشار الدين المسيحي بعد استعمارهم من قبل الإنكليز. لذلك كان السؤال عن تاريخ المرأة أو عن التقاليد القديمة بعيدا عن تأثير الأديان كان ملهما ليبحثن في ذاكرتهن عن قصة أو حركة قامت بها المرأة….حدثتنا النساء عن الآمال تجمع النساء

ضمن القرية أو القبيلة. مثال : ففي حال وجود اعتداء رجل ضمن اسرته تتوجه

النساء الى المنزل الذي تكون فيه المشكلة وتبدأ بضربه ومعاقبته. وأيضا عندما كان

يتأخر نزول المطر وعند الضرورة القصوى. كانت النساء تتوجه الى جبل مقدس

 

ويقمن بطقوسهن وتقديم الاضاحي، وكانت النتيجة أن الامطار تتساقط بنفس اليوم. ولكنها اشارت أن الآمال ضعفت في الوقت الراهن ولم تعد تتمتع بالمكانة السابقة.

كان هناك حلقة يبحث عنها الجميع جواب يريدون حل له في العمق ما هو نوع النظام الذي نبحث عنه، كيف يمكن التخلص من الاستعمار غير المباشر عن ارضنا، هل تغيير

الرئيس يكفي. خاصة ان الكينين تحرروا من الاستعمار الانكليزي في 1963 بعد

تقديم التضحيات ولهم كل حين ثورة للمطالبة بحقوقهم في بلادهم التي بقيت تابعة للشركات الأجنبية. وكان السؤال الرئيسي ما هو البديل.

خلال تجمعنا كانت أطروحة الامة الديمقراطية للقائد عبد الله اوجلان الهاما لهم لكيفية حكم الشعب نفسه بنفسه وبناء مؤسسات الحماية الذاتية، والكومينات وتفعيل نظم العدالة في المجتمع، توعية المجتمع والبدء بتحديد الأيدلوجية والبراد يغما التي ستجمع اهداف الأطراف المختلفة كانت من الضرورات التي تم التأكيد عليها. خاصة ان المجتمع الكيني ينظم على أسس الكلانات والحياة الإيكولوجية جزء من هويتهم.

الموسيقا والغناء لها مكانة روحية في حياتهم وكل كلان له طريقته بالرقص يعرف بها على نفسه،

وخلال رقصهم فوجئنا بامرأة تحمل صورة القائد اختلطت مشاعرنا بين فخر كوننا نسير على خطاه وكون الشعب الكيني يرى بفلسفته، والخطى التي كان رسمها لرفاقه

خلاصا لهم. لم يكن بإمكاننا ان نخفي مشاعر الألم أيضا في أنفسنا لفراق طال عن

قائدنا وللعزلة المفروضة عليه منذ، تساءلنا ماذا كان سيقول لو رأى اليوم نهضة الشعوب الأخرى ترى في ثورة كردستان نموذجا لها، كان هناك أمل مشترك لدى الحاضرين بأن حرية القائد عبد الله أوجلان ستتحقق ويبدأ التغيير من طرح الامة الديمقراطية كحل بديل لنموذج الدولة الراهنة.

 

قد يعجبك ايضا